معايير المحاسبة الدولية وعلاقتها بالمعايير الوطنية
من المسلم به أن معايير المحاسبة الدولية من العلوم الاجتماعية التي تتأثر وتؤثر بالبيئة التي تنشأ فيها وقد بنيت أدبيات المحاسبة على أن اختلاف البيئات أدى إلى تعدد نظريات المحاسبة كما أورد الشيرازي في كتابه نظرية المحاسبة, (1990م), وجدير بالذكر أنه لا توجد حتى الآن نظرية واحدة للمحاسبة وإنما هنالك العديد من النظريات التي تسعى إلى تفسير الظواهر المحاسبية المختلفة.
نظرية المحاسبة
ويشير هذا التعدد إلى أن نظرية المحاسبة لا زالت في دور التطور وإنها في حاجة إلى مزيد من البحث والدراسة. وبينت أدبيات المحاسبة أن اختلاف الأطر (الاجتماعية والاقتصادية والقانونية والسياسية والثقافية) بين الدول كان من عوامل اختلاف الأهداف والمفاهيم والفروض والمبادئ وما ينتج عنها من معايير _المحاسبة والمراجعة) وبالتالي يختلف العرض والإفصاح بالتقارير المالية.
ومن العوامل الأخرى لاختلاف المعايير بين البيئات تعدد أنماط إعداد تلك المعايير المحاسبية Due Process كما أورد داكو ستا وآخرون (DA Costa et . al 1978)
طالع ايضا : مذكرات تخرج في المحاسبة المالية بصيغة pdf
في دراسة حول إعداد معايير المحاسبة “توجد ثلاثة نماذج, الأمريكي والبريطاني والقارة الأوروبية” فنجد أن النموذج الأمريكي (مختلط) حيث تقوم جمعيات المحاسبة وهيئات حكومية (SEC) بوضع المعايير وبالنموذج البريطاني (أهلي.
) تقوم جمعيات المحاسبة بوضع المعايير المحاسبية دون تدخل من الحكومة وفي النموذج الأوروبي (حكومي) يقوم البرلمان بوضع قانون يحدد كيفية المعالجات المحاسبية وقد أدى الاختلاف في معايير المحاسبة والمراجعة بين العرض والإفصاح بين تلك النماذج إلى صعوبة المقارنة البينية للمعلومات بالتقارير المالية بين تلك النماذج الثلاثة لاختلاف العرض والإفصاح نتيجة اختلاف المعايير التي عرفها الشيرازي (1990) حيث أوضح بأنها أحكام خاصة بعنصر محدد من عناصر القوائم المالية أو بنوع معين من أنواع العمليات أو الأحداث التي تؤثر على الوحدة المحاسبية.
فالمعايير ليست لمجرد الاسترشاد العام وإنما هي تعبير عن موقف مهني رسمي فيما يتعلق بكيفية تطبيق مبدأ محاسبي معين. وهذا مشاهد في الواقع فكل بيئة تقوم بإعداد معاييرها لتستوعب وتخفض البدائل المتعددة للمعالجات المحاسبية في العرض والإفصاح (مثال الإهلاكات, تقييم المخزون, عقود الإنشاءات طويلة الأجل…الخ) لتناسب الزمان والمكان فيما يعرف بالمبادئ المحاسبية المتعارف عليها (Generally Accepted Accounting Practical).
وكذلك عرفها مجلس مبادئ المحاسبة الأمريكي (Accounting Principles Board APB) “أن المعايير المحاسبية مجموعة من القواعد المحاسبية يتم الاتفاق عليها كمرشد أساسي لتحقيق التجانس والتوفيق المحاسبي في قياس المعاملات والأحداث التي يتم عكسها في القوائم المالية وإيصال تلك المعلومات إلى الأطراف المستفيدة فتلك المعايير لا يتم تصميمها لتقييد التطبيق بحدود صارمة وإنما استخدامها كإرشادات لأغراض القياس والعرض العادل الكافي”.
والمشاهد بالدول النامية ودول العالم الثالث وخصوصاً تلك التي ليست لها معايير محاسبة فإنها تستعير أو تطبق حرفياً معايير من نموذج له تأثير عليها, مثال السودان كان يطبق حرفياً معايير المحاسبة البريطانية إلى إن دخلت معايير الزمالات الأخرى (5زمالات) مما أدى إلى تعدد العرض والإفصاح نتيجة لالتزام أعضاء كل زمالة بإتباع معايير زمالتهم في العرض والإفصاح (سالم 2009م).
وفي دراسة أجراها باكر (2001 Bakre ) حول مدى هيمنة محاسبات الدول الغربية على المحاسبة في العالم جاء فيها “… ترفض هذه الدراسة المزاعم بأن توسع الجمعيات المهنية المحاسبية الغربية بالدول المستعمرة والنامية هو أمر محتوم لا يمكن تجنبه, بل توضح الدراسة أن التوسع كان نتيجة لضغوط من تلك الجمعيات المهنية المحاسبية وهي زمالة المحاسبين البريطانيين (ACCA) وزمالة معهد المحاسبين الأمريكية (APA).
وزمالة معهد المحاسبين المعتمدين الكندية (CICA) بالإضافة للممارسات المحاسبية الغربية (Western accounting practices) وأن موضوع الهيمنة على الدول المستعمرة والنامية لا يزال محل جدل وتنازع بين الثقافات الوطنية والعالمية الوافدة “وقد أوضحت دراسة باكر أن بذور رفض وخلاف نشأت ولا تزال تنشأ بين الثقافات بالدول والمحاسبات الدخيلة على البيئة. وبالرغم مما جاء في دراسة باكر نجد في الواقع المشاهد أن البيئات التي كانت مستعمرات بريطانية تستخدم معايير النموذج البريطاني, ودول القارة الأوربية المنقسمة بين النظام الرأسمالي والشيوعية,
في حين نجد تأثير واضح للنموذج الأمريكي على دول الخليج, وخلال الربع الأخير من القرن العشرين بعد انهيار الإتحاد السوفيتي وتفكك المعسكر الشيوعي بدأت دول المعسكر الشيوعي في تبني معايير الغرب لجذب استثمارات الشركات متعددة الجنسيات التي كانت تسعى لتطبيق نظام محاسبي موحد, وقد كانت أول محاولاتها البحث عن المحاسبة الدولية,
كما أورد موللر (1967 Mueller) في دراسة حول البحث عن محاسبة واحدة “أدت الحاجة إلى لغة عامة للمحاسبة تتم بها مواجهة التوسع الاقتصادي العالمي وارتفاع تكلفة تشغيل عمليات فروع الشركات متعددة الجنسيات خارج الحدود إلى عدة نتائج منها:
- الاستعانة بمحاسبين لديهم المعرفة بالمعايير المحلية ومعايير الدول المستضيفة لفروعها لترجمة المعلومات بالتقارير المالية.
- حاجة دول كثيرة ومن بينها الولايات المتحدة الأمريكية إلى تكلفة إضافية لترجمة المعلومات المحاسبية لحقوق الملكية والإيرادات قبل الدخول لأسواق رأس المال العالمية.
- أن الدول النامية التي تنوي التنافس في الأسواق العالمية لابد لها أن تعد معلوماتها المحاسبية بمعايير مقبولة بأسواق رأس المال العالمية “وقد تمت عدة محاولات للتخفيف من حدة اختلاف المعايير بين تلك النماذج بدأت بمحاولة لتوحيد (Uniformity) الممارسات المحاسبية ولم تفلح وفشلت في إيجاد محاسبة العالم (World Accounting), ثم فشلت التوفيق (Harmonization) بين محاسبات دول العالم, (البصري 2004م). وأخيراً في عام 1972م خلال المؤتمر العالمي للمحاسبين (The Congress of Accountants) تم الاتفاق على تطوير معايير للمحاسبة الدولية وصدرت منها ثلاثة معايير ولكنها لم تجد قبول حتى من الولايات المتحدة الأمريكية التي تعتبر من أهم الدول الراعية والساعية والمشاركة في إعداد المعايير الدولية لأن صدور معايير دولية بقرب محاسبات العالم من المعايير الأمريكية, وأدت محاولات مؤتمر المحاسبين إلى تشجيع قيام مجموعة إقليمية ودولية بمحاولات لإيجاد قواسم مشتركة تساعد في ردم الهوة بين معايير المحاسبة الدولية والمعايير الوطنية والإقليمية, وأهم تلك المجموعات كانت مجموعة مكونة من أربع دول عرفت بمجموعة الأربعة زائد واحد (Group of 4 (G4 +1)), وكانت مكونة من المملكة المتحدة (UK), واستراليا (Australia), وكندا (IASC). ستريت وشوفانسي,(Street and Shaughnessy1998), واستغلت الشركات والمؤسسات متعددة الجنسيات تلك المجموعات للضغط على دولها لقبول المعايير الدولية وأدى ذلك الضغط إلى زيادة عدد الدول التي اقتنعت بأهمية توفيق معاييرها الوطنية مع معايير المحاسبة الدولية لتستقطب الاستثمارات الغربية, وتبنت تلك الحملات الشركات متعددة الجنسيات التي كانت تسعى لتخفيض تكلفة إعداد التقارير المالية المستلمة من فروعها المتعددة بالعالم ثم التقارب بين المعايير. وتم اجتماع سدني (استراليا) في عام 1973م بحضور ممثلي عشرة جمعيات محاسبية من استراليا وكندا وفرنسا وألمانيا واليابان والمكسيك وهولندا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة وايرلندا, وأدى ذلك إلى إنشاء لجنة معايير المحاسبة الدولية (International Accounting Standards), وذلك بغرض تشجيع التوفيق العالمي بين معايير المحاسبة الدولية والمعايير الوطنية بالدول التي لها معايير محاسبية ولمساعدة الدول التي تحتاج لموارد (مالية أو فنية) لتطوير معاييرها الوطنية لتتوافق مع معايير المحاسبة الدولية ستريت وشوفانسي (Street and Shaughnessy 1998).
طالع ايضا : المشاكل المحاسبية المعاصرة pdf