حالة الإعسار وعدم القدرة على الوفاء في القانون المدني الكويتي

يتضح من بعض نصوص القانون المدني حسب محامي الكويت أن الحكم المترتب على عدم تنفيذ المدين لالتزامه الذي يكون محله مبلغا من النقود يتوقف على قدرته على الوفاء. فالقدرة على الوفاء شرط ينبغي توافره لترتيب ما تقضي به بعض تلك النصوص.

فالمادة 306 من القانون المدني الكويتي تنص على أنه ” إذا كان محل الالتزام مبلغا من النقود، ولم يقم المدين بالوفاء به بعد إعذاره، مع قدرته على الوفاء، وأثبت الدائن أنه قد لحقه بسبب ذلك ضرر غير مألوف، جاز للمحكمة أن تحكم على المدين بتعويض تراعي فيه مقتضيات العدالة “.

والمادة 410 من القانون المدني تنص على أنه ” يجب أن يتم الوفاء بمجرد ترتب الالتزام في ذمة المدين ما لم يوجد اتفاق أو نص يقضي بخلافه . ومع ذلك يجوز للقاضي، إذا لم يمنعه نص في القانون، أن ينظر المدين إلى أجل مناسب أو يقسط الدين عليه، إذا استدعت حالته ذلك ولم يلحق الدائن ضرر جسيم “.

كما تنص المادة 292 من قانون المرافعات المدنية والتجارية على: ” يصدر مدير إدارة التنفيذ أو من تندبه الجمعية العامة للمحكمة الكلية من الوكلاء بالمحكمة أمرا -بناء على عريضة تقدم من المحكوم له -بحبس المدين مدة لا تزيد على ستة أشهر إذا امتنع عن تنفيذ حكم نهائي أو أمر أداء نهائي رغم ثبوت قدرته على الوفاء. ولا يعتبر المدين قادرا على الوفاء إذا قاصت ملاءته كليا
على أموال لا يجوز الحجز عليها. ويحدد الأمر مدة الحبس، كما يبين ما إذا كانت تنفذ دفعة واحدة أو على دفعات “. كما جاء نص المادة 297 من المرافعات صريحا في اشتراطه لإصدار الأمر بمنع المدين من السفر أن يكون المدين قادرا على الوفاء ويقع عبء إثبات ذلك على عاتق الدائن.

وتطبيقا لذلك لا يحكم على المدين بالتعويض عن التأخير في الوفاء بالدين، ولا يمنح أجلأ للوفاء بدينه، ولا يحبس مع عدم إمكانية إصدار أمر بمنعه من السفر، إن تبين للقاضي عدم قدرته على الوفاء في كل حالة من تلك الحالات الواردة بالنصوص المذكورة أعلاه. إلا أن التساؤل الذي يثار هو: ما مفهوم عدم القدرة على الوفاء؟ ومتى يكون المدين غير قادر على الوفاء؟ وهل مفهوم عدم القدرة على الوفاء مفهوم مرادف أو مخالف لمفهوم حالة الإعسار؟ للإجابة عن هذا السؤال ينبغي المقارنة بين المفهومين نظريا وعمليا.

من الناحية النظرية 

إن مفهوم عدم القدرة على الوفاء يعني عدم قدرة المدين على تنفيذ التزامه بسداد مبلغ الدين . فالوفاء – كسبب من أسباب انقضاء الالتزام – هو تنفيذ المدين لالتزامه بذات ما التزم به، أي التنفيذ العيني للالتزام ، فالمدين بمبلغ نقدي إما أن ينفذ عينا في الوقت المتفق عليه أو لا ينفذ، فلا يوجد تنفيذ بديل، أي لا يوجد تنفيذ بمقابل ، فالمطلوب دائما هو التنفيذ العيني ، إما رضاء وإما قضاء. فالأمر في نهاية المطاف يؤول إلى دفع مبلغ الدين.

فعلى خلاف حالة الإعسار التي تستند إلى مجرد زيادة جميع ديون المدين على حقوقه (الإعسار الفعلي)، فإن عدم القدرة على الوفاء تعني عدم قدرة المدين على تنفيذ التزامه، ويرجع ذلك إلى عدم كفاية أمواله للوفاء بما عليه من ديون مستحقة الأداء. فالحكم بالتعويض -وفقا لنص المادة 306-عن تأخر المدين بالوفاء بمبلغ من النقود لا يكون إلا عندما يكون المدين قادرا على الوفاء بدين الدائن طالب التعويض، فيجب أن يثبت الدائن قدرة المدين على الوفاء، وتراعي المحكمة في ذلك طبيعة الأموال التي يملكها المدين والوقت اللازم لتدبر المبلغ المطلوب منه. والمدين لا يستطيع الحصول على أجل للوفاء بما عليه من ديون أو ما يسمى بنظرة الميسرة -طبقا لنص المادة 410- إلا إذا تبين للقاضي قدرة المدين على الوفاء بالديون التي يطالب بها الدائن، تأسيسا على ظروف المدين المالية والتزاماته وأعبائه. فيجب ان تكون حالة المدين تستأهل إيثاره بهذه المنحة ومن ثم لا يجوز أن تعطى لمن تعمد عدم الوفاء أو قصر فيه قصورا بينا أو لمن كان معسرا لا يرجى منه الاقتدار على الوفاء.

ويشترط للحكم بحبس المدين – وفقا لنص المادة 292 من قانون المرافعات – أن يكون المدين قادرا على الوفاء بدين الدائن طالب الحبس ، بحيث لا يجوز الأمر بحبسه إذا لم يكن قادرا على الوفاء بذلك الدين ولو كان دائنه قد حصل ضده على حكم نهائي بالدين . ومن الطبيعي أن الدائن طالب الحبس هو المكلف إثبات ذلك، بل يتعين ان تكون قدرة المدين على الوفاء مستندة إلى أموال مما لا يجوز الحجز عليها. وثبوت قدرة المدين على الوفاء من مسائل الواقع التي تستقل محكمة الموضوع بتقديرها، إلا أن شرط ذلك أن يكون التقدير مستمدا من أوراق الدعوى ومستخلصا منها استخلاصا سائغا، ومن شأنه أن يؤدي عقلا إلى النتيجة التي انتهى إليها.

فمفهوم عدم القدرة على الوفاء الذي يشترط لتوافره عدم كفاية أموال المدين لسداد ديونه المستحقة الأداء دون غيرها يعد مفهوما ضيقا مقارنة بحالة الإعسار بمعنى الإعسار الفعلي. وعلى ذلك فإن توافر عدم القدرة على الوفاء يؤدي إلى افتراض توافر الإعسار الفعلي، فكل من ليس قادرا على الوفاء بديونه المستحقة الأداء يكون في الوقت ذاته غير قادر على الوفاء بديونه المؤجلة، ولكن العكس غير صحيح، فقد يكون المدين معسرا إعسارا فعليا ويكون في ذات الوقت قادرا على الوفاء. فليس هناك ارتباط بين عدم كفاية أموال المدين لسداد ما عليه من ديون – سواء كانت مستحقة الأداء أم غير مستحقة الأداء – وبين قدرته على الوفاء.

من الناحية العملية

إذا كانت عدم قدرة المدين على الوفاء ترجع إلى عدم كفاية أمواله للوفاء بما عليه من ديون مستحقة بخلاف حالة الإعسار التي ترجع إلى مجرد زيادة جميع ديون المدين على حقوقه (الإعسار الفعلي)، فمن الناحية العملية نعتقد من
جانبنا أن مفهوم حالة الإعسار مرادف لمفهوم عدم القدرة على الوفاء. فحالة الإعسار لن تكون في أغلب الأحيان إلا لعدم كفاية أموال المدين للوفاء بما عليه من ديونه مستحقة الأداء، أي عدم قدرة المدين على الوفاء بالدين المستحق. فمن الصعب اعتبار المدين في حالة إعسار لمجرد عدم التوازن بين ما للمدين وما عليه من حقوق والتزامات. فزيادة الالتزامات ونقصان الحقوق، وإن كانت مؤشرا على ظهور أو بروز حالة الإعسار، فإن عدم مقدرة المدين على الوفاء ما هو إلا تأكيد لها، وحالة الإعسار ترتبط دائما وأبدا بعدم مقدرة المدين على الوفاء بمقدار المديونية المستحقة، حيث يمكن استخلاص ذلك من الغاية التي يهدف إليها المشرع من تقرير دعوى عدم نفاد التصرف، باعتبارها من الدعاوى التي أراد المشرع بها تنظيم حالة الإعسار، وهي استطاعة الدائن الطاعن استيفاء حقه من أموال المدين، وفقا لما نراه من الاعتبارات الآتية:

  • إذا كان الجانب السلبي لذمة المدين المالية يشمل جميع ديون المدين سواء كانت هذه الديون مستحقة الأداء ام غير مستحقة الأداء، فإن تحديد حالة الإعسار ينبغي أن يكون من خلال الجانب السلبي المستحق الأداء. فالمادة 310 من القانون المدني تشترط لرفع دعوى عدم نفاذ التصرف أن يكون حق الدائن مستحق الأداء، فليس من اعتبارات العدالة والمنطق القانوني اعتبار المدين معسرا على الرغم من كفاية أمواله وقدرته على الوفاء بالدين المستحق. فالمشرع لم يترك حق الدائن في الطعن بعدم نفاذ تصرفات المدين مراسلا دون ضوابط وإنما اشتراط لجواز مطالبة الدائن بعدم نفاذ تصرف مدينه أن يكون له الحق في المطالبة به او اقتضائه أمام القضاء.
  • لا نجد من أحكام القضاء الكويتي ما يتناول مسألة الطعن بعدم نفاذ التصرف لمجرد كون المدين معسرا إعسارا فعليا. فالأحكام القضائية تشير، إعمالا لحكم المادة 310 وما يليها من القانون المدني، إلى عدم كفاية أموال المدين للوفاء بدين الدائن الطاعن. وتطبيقا لذلك فقد قضى بأن التصرف المطعون فيه يؤدي إلى إخراج أجزاء من العقار من ذمة المدين المستأنف عليه الأول كان البنك الدائن يستطيع استيفاء حقه منها وقد ترتب على هذا التصرف جعل الباقي من أموال المستأنف عليه غير كافية لسداد ديونه، ويكفي في هذا الخصوص إعمالا لحكم المادة 313 من القانون المدني ادعاء البنك الدائن بذلك مادام المستأنف عليه الأول المدين لم يثبت أن له مالا يساوي قيمة الديون أو يزيد عليها ”  . فالعبرة بعدم استطاعة الدائن استيفاء حقه من المدين، وليس لمجرد كون التصرف المطعون فيه يزيد من التزامات المدين على حقوقه.
  • حالة الإعسار، وفقا لنص المادة 310 مدني، حالة ضرر” بمعنى أنه يشترط للطعن بعدم نفاذ التصرف أن يكون التصرف القانوني للمدين ضارا بالدائن. ويكون تصرف المدين ضارا بالدائن عندما يكون التصرف مفقرا يؤدي إلى النقص في حقوقه كالتصرف بنقل ملكية الحق المالي إلى ذمة مالية أخرى كعقد الهبة والبيع   أو يؤدي إلى الزيادة في التزاماته كعملية الاقتراض أو الحصول على تسهيلات مصرفية من قبل البنوك والمؤسسات والشركات المالية الاستثمارية  

وتصرف المدين القانوني الذي يؤدي إلى نقص في حقوقه أو زيادة في التزاماته لا يمكن اعتباره بذاته تصرفا ضارا ما لم يترتب عليه إعساره أو زيادة إعساره للإضرار بالدائن. فعدم نفاذ التصرف مرتبط ارتباطا كليا بحالة الإعسار باعتبارها حالة ضرر لا تظهر من مجرد عدم كفاية ما له من أموال لسداد ما عليه من ديون مستحقة الأداء أو غير مستحقة الأداء، وانما من عدم قدرته على الوفاء بالدين المستحق الأداء للدائن الطاعن بالتصرف، فإن تبين عدم قدرته على الوفاء لاستحالة السداد فالتصرف ضار، ومن ثم لا ينفذ في مواجهة الدائن، وإن تبين العكس؛ أي كون المدين قادرا على سداد الدين، فالتصرف ليس بضار بالدائن، ومن ثم ينفذ في مواجهته. فلا يتصور تحقق الضرر كشرط للطعن بعدم نفاذ تصرفات المدين إلا عندما يترتب على ذلك التصرف عدم استطاعة الدائن الطاعن الحصول على مقدار دينه وليس لمجرد كون أموال المدين غير كافية للوفاء بجميع ديونه.

فإثبات الدائن ما في ذمة مدينه من ديون وعدم إثبات المدين أن له من المال ما يساوي قيمة تلك الديون أو يزيد عليها لا يعني بالضرورة كون التصرف المطعون فيه بعدم النفاذ ضارا بالنسبة للدائن. فقد يكون المدين قادرا على الوفاء بما لديه من المال الكافي للوفاء بحق الدائن الطاعن فلا يتحقق في هذه الحالة الضرر المشروط توافره لعدم نفاذ تصرف المدين. فليس هناك مصلحة للدائن في الطعن بعدم نفاذ تصرف مدينه ما دام الحق الذي تصرف فيه المدين لا يؤثر على قدرته المالية في السداد، فقد يكون لدى المدين من أموال أخرى تكفي للوفاء بحق الدائن. فمصلحة الدائن لن تكون إلا إذا كان الحق الذي تصرف فيه المدين، كأن يستطيع الدائن أن يستوفي منه حقه، وكان المدين معسرا ليست عنده أموال أخرى تكفي لوفاء حق الدائن.

فالضرر كشرط للطعن بعدم نفاذ التصرف ليس ضررا مفترضا يتوافر بحق الدائن لمجرد كون التصرف مفقرا يؤدي إلى النقص في حقوق المدين او الزيادة في التزاماته، إنما ينبغي ان يترتب على التصرف المفقر إعسار المدين الذي لن يكون ضارا بالدائن إلا عندما يؤدي إلى عدم إمكان الوفاء بحقه نتيجة التصرف المطعون فيه” أي يترتب عليه استحالة الوفاء بالدين لعدم قدرة المدين على السداد. فعدم تحقق الضرر على هذا النحو السابق يعني عدم توافر حالة الإعسار بحق المدين مادام قادرا على الوفاء بحق الدائن الطاعن، فينفذ التصرف في مواجهته لتخلف شرط جوهري للطعن بالتصرف المفقر ألا وهو شرط الإعسار الذي يعتبر تطبيقا للضرر الذي يرتبه التصرف بحق الدائن.

فاشتراط المشرع، وفقا لنص المادة 310، أن يكون التصرف الصادر عن المدين ضارا بالدائن يؤكد أن حالة الإعسار التي تترتب على ذلك التصرف هي التي تعود إلى عدم قدرة المدين على الوفاء بدين الدائن الطاعن بعدم نفاذ التصرف وليس إلى مجرد استغراق ديون المدين لحقوقه لعدم كفاية أموال المدين لسداد جميع ما في ذمته من ديون بسبب زيادة التزاماته المالية.

  • إن الحكم بعدم نفاذ التصرف عند توافر شروط نص المادة 310 من القانون المدني ليس وجوبيا وإنما جوازي يخضع لتقدير قاضي الموضوع. فمن المقرر، وفقا لقضاء التمييز، أن التصرف الذي من شأنه إعسار المدين أو يزيد من إعساره وفقا لقضاء التمييز، من المسائل الموضوعية التي تدخل في سلطة محكمة الموضوع، دون معقب عليها متى أقامت قضاءها على أسباب سائغة لها أصلها الثابت في الأوراق وتؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها. فقد تكون قدرة المدين على الوفاء بدين الدائن الطاعن بعدم نفاذ التصرف، على الرغم من إعسار المدين الفعلي، هي المبرر للحكم برفض الطعن لعدم توافر حالة الإعسار.
  • طالع ايضا : رسائل ماجستير في القانون الخاص pdf

Add a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *