الدعاء والأسباب في حياة المسلم
إن علاقة الدعاء أي كان مثل دعاء السفر مثلا هي علاقة بالأسباب في اطار علاقة تكاملية، ليست علاقة تناقض أو تنافر أو تعارض، على عكس ما يفعله كثير من الناس فأول ما يقومون به عند الملمات الفزع إلى الأسباب ويداومون على طرق بابها أمدًا ليس بالقصير، ثم عند عدم تحقق المراد يتركون الأسباب ويلجؤون إلى الدعاء، والأسباب هي ما يتوصل به أو يتوسل لتحقيق المراد فيتعاملون مع كليهما بالتوالي أو التتابع وليس بالتوازي!
أيهما اسبق الأسباب ام الدعاء ؟
ليس بين الدعاء والأسباب ترتيب وإنما يلجأ المسلم إلى كليهما معًا، فمن اعتمد الأسباب المادية ولم يلجأ إلى دعاء الله لتحقيق مقصوده فقد ترك شطرًا كبيرًا من الأسباب، كما أن من اعتمد الدعاء وأهمل الأسباب المادية فقد خالف المحسوس الذي لا يدفع ولا ينكر ولو تدبرنا سنة الرسول العظيم لوجدنا أنها زاوجت بين الاثنين الدعاء والأسباب المادية، فالدعاء قسم من الأسباب، ولم تقتصر سنته على أحدهما وتركت الآخر، فالرسول يأخذ بالسبب الذي جعل الله مثله موصلًا لتحقيق المقصود، وفي الوقت نفسه يلجأ إلى دعاء الله؛ فالله رب الكون ورب الأسباب.
طالع ايضا : رسالة ماجستير : أخلاق المهنة في السنة النبوية PDF
وفي ليلة بدر، ليلة الفرقان التي نصر الله في صبيحتها جيش التوحيد على جيش الشرك، أخذ الرسول بالأسباب فأعد العدة المادية كأحسن ما يكون الإعداد ثم لجأ إلى الدعاء، فقام ليله كله يدعو ربه ويناشده حتى أشفق عليه أبو بكر الصديق وهو يقول له كفاك مناشدتك ربك فإن الله منجز لك ما وعدك، فلم يعول على الأسباب والإعداد وحدهما ولم يكتفِ بالدعاء وحده بل جمع بين الأمرين. وعندما كان يدخل الحرب فمع إيمانه وتسليمه بما قدره الله كان يلبس المغفر ويظاهر بين درعيه ويأخذ حذره هو والمؤمنون كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُوا جَمِيعًا} [النساء: ١٧]، فلا تعارض ولا تنافر بين الأخذ بالأسباب والدعاء.
دعاء الأنبياء
وعندما نستعرض آيات القرآن الكريم، نجد أن الأنبياء والرسل الذين منحوا قدرات خارقة، هم أكثر الناس تضرعا إلى الله عز وجل، فمن دعاء آدم وحواء عليهما السلام: (قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23)) (الأعراف: 23).
ومن دعاء نوح عليه السلام، بعد ان جاهد وكافح: (أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10) فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11)) (القمر: 10- 11).
ومن دعاء إبراهيم عليه السلام: (رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83) وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآَخِرِينَ (84) وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (85)) (الشعراء: 83- 85).
ربما من الناس من يقول: إن إبراهيم وقع في مأزق لم يقع في نظيره أحد قبله ولا بعده، وذلك عندما حكمت محكمة نمرود بإحراقه يوم حطم أصنامهم، فكان من المتوقع أن يدعو في مثل تلك الساعة، ولكن لم يرد في الصحاح أنه دعا؛ بل ورد أن جبريل عليه السلام جاءه مستأذنا ربه وقال: ألك حاجة؟ قال: أما إليك فلا! قال: فسل ربك. قال: “حسبي الله ونعم الوكيل”. وذلك؛ لأن قصارى همه تمثل في أن يرضى الله عنه، وأن يجعل ذريته من بعده سائرة على المنهج المستقيم.
ومن دعاء يونس عليه السلام:
(سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)) (الأنبياء: 87- 88).
ويونس- عليه السلام- بعث إلى قومه فدعاهم فلم يستجيبوا فهجرهم مغاضبا.. ولعل هذا الهجران ما كان ينبغي أن يتم، فابتلاه الله بأن وجه إليه حوتا0 وكان سائرا على شاطئ بحر- فالتقمه: (فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87)) (الأنبياء: 87).
ومن دعاء شعيب عليه السلام: (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ (89)) (الأعراف: 89).
قد يهمك أيضا: المكتبة للكتب الإسلامية والعربية للطلاب والباحثين