الأمن البيئي الدولي

الأمن البيئي الدولي

تكتسب المتغيرات أهميتها في نظام أولويات الحياة التي نعيشها بقدر ارتباطها بهذه الحياة، فكيف إذا كان هذا المتغير هو المحيط الذي تنشط في إطاره الحياة لبني البشر وبقية الكائنات الحية، في إطار تكاملي متناسق ذي طبيعة اعتمادية خلقه الله عز وجل بقدر معلوم، ذلك المحيط هو البيئة، فبدون البيئة التي تنطوي على عناصر البقاء لا يمكن للحياة أن تستمر، من هنا تنبع أهمية دراسة البيئة وأثرها على الأمن الدولي، فالإنسان مثلما يحتاج إلى عناصر البقاء يحتاج إلى الشعور بالأمن لكي تستمر حياته.

الاطار المفاهيمي

من المفيد قبل الدخول في بحث وتحليل أثر البيئة على استقرار الأمن الدولي وبيان علاقة الترابط التي تجمع هذين المتغيرين، أن نحدد مفهوم البيئة، ومفهوم الأمن الدولي، ومفهوم الأمن البيئي، الذي يشكل جزءاً من الإطار الكلي للأمن الدولي.

البيئة :

حتى نستطيع إدراك أهمية البيئة بالنسبة للأمن الدولي لا بد من إعطاء تعريف محدد للبيئة، (أول من صاغ كلمة إيكولوجيا العالم هنري ثرو (H. othoreaux)عام 1858 ولكنه لم يتطرق إلى تحديد معناها وأبعاده. أما العالم الألماني إرنست هيجل Ernest Heechelفقد وضع كلمة إيكولوجي (Ecologie). وفي سنة1866م

 عرفت أهدافها بدراسة العلاقة بين الكائن الحي والوسط الذي يعيش فيه، وترجمت إلى اللغة العربية بعبارة علم البيئة. بينما نجد أن بعض الباحثين عرفها بأنها (مجموعة العوامل الطبيعية المحيطة التي تؤثر على الكائن الحي أو التي تحدد نظام مجموعة إيكولوجية مترابطة). وفي نفس هذا الاتجاه عرفها مؤتمر ستكهولم عام 1972 ومؤتمر تبليسي 1978 (بأنها مجموعة من النظم الطبيعية والاجتماعية والثقافية التي يعيش فيها الإنسان والكائنات الأخرى).

إذن البيئة هي التي تزود الإنسان والكائنات الحية بعناصر بقائها والموارد المادية اللازمة لاستمرار حياتها، خصوصاً من الهواء والماء والطاقة والملبس والسكن، وبالتالي فهي التي تمثل المحددات التي تحدد شروط ثقافاتنا وأنماط حياتنا وطرق تعليمنا وتربيتنا وأنماط عملنا وحدود مستوطناتنا البشرية. غير أن المحيط الذي يحدد لنا شروط بقائنا موارده غير متجددة ولها نهاية. كما أن موارده المتجددة لها نهاية أيضاً إذا لم يحسن الإنسان استعمالها.

الأمن البيئي:

الأمن البيئي مفهوم جديد استحدث في فترة التسعينيات من قبل دول الشمال المتقدم مثل الولايات المتحدة، والدول الاسكندنافية، في حين أن العديد من دول الجنوب لم تضع بعد مفهوماً محدداً للأمن البيئي، حيث تحاول دولهم حالياً، استحداث مفهوم الأمن البيئي. فالصين مثلاً تعتمد الأمن البيئي تحت مظلة حماية البيئة.

كذلك الحال مع المنظمات الدولية والهيئات التابعة للأمم المتحدة، حيث لم تتبنّ بعد مفهوماً محدداً للأمن البيئي، حتى عام 1994حيث أشار البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة إشارة مختصرة في التقرير السنوي حول التطور الإنساني. ففي الصفحة (28) أشار إلى أن مشاكل البيئة التي تواجهها الأقطار هي مزيج من التدهور المحلي والعالمي. وأكد على أنه من الصعب المحافظة على الأمن الدولي دون تحقيق الأمن البيئي.

لذلك نجد أن جهود المنظمات الدولية والدول ركزت على وضع تعريف محدد لمفهوم الأمن البيئي، حيث وضعت عدة تعريفات أهمها هو الذي عرف الأمن البيئي بأنه: (هو المتعلق بالأمان العام للناس من الأخطار الناتجة عن عمليات طبيعية أو عمليات يقوم بها الإنسان نتيجة إهمال أو حوادث أو سوء إدارة). غير أن الملاحظ على هذا التعريف أنه يهمل حماية البيئة فيما يتعلق بالأجيال القادمة ومستقبل البشرية، وهو يوضح أن أي متغير يؤثر على السلامة العامة سوف يكون عنصراً من بيئي، فهو مهتم بأمن البيئة من ناحية الناس وليس بأمن البيئة للبيئة نفسها. إن قصور هذا التعريف دفع إلى ظهور تعاريف أخرى عرفت الأمن البيئي (بإعادة تأهيل البيئة التي تدمر في الحرب ومعالجة المخاطر البايولوجية التي يمكن أن تقود إلى تدهور اجتماعي)، وهو تعريف جيد يغطي جانباً مهماً من الأمن البيئي الذي يعرفه بعضهم بأنه: (تدوير الموارد الطبيعية إلى منتجات ثم فضلات ثم إلى موارد طبيعية). في حين يرى بعضهم الآخر أن الأمن البيئي هو: (المحافظة على المحيط الفيزيائي للمجتمع وتلبية احتياجاته من دون التأثير على المخزون الطبيعي).

Add a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *