ماذا يطلق على الزيادة المتواصلة في الأسعار ؟
في الاقتصاد ماذا يطلق على الزيادة المتواصلة في الاسعار ؟
الاجابة هي :
التضخم
ما هو مفهوم التضخم ؟
يمثل التضخّم أحد الأمراض الاقتصاديّة والاجتماعية، التي تعبث في جسد الاقتصاد القوميّ وتُحدث فيه اختلالات سيئة، وقد انتشر هذا المرض في عدد كبير من دول العالم، واشتدت الموجات التضخّمية، خاصة في السبعينيات من هذا القرن، حتى تحولت إلى ظاهرة عالمية تجندت لدراستها العقول الاقتصاديّة؛ بغيـة الـوصـول إلـى حلـول لإيقـاف هـذا الخطـر الـزاحـف وتلافي آثاره السيئة.
ويعرف التضخم: بأنه حركة صعودية للأسعار تتصف بالاستمرار الذاتي تنتج عن فائض الطلب الزائد عن قدرة العرض. وكما جاء في المعجم الوسيط: هو زيادة النقود أو وسائل الدفع الأخرى على حاجة المعاملات . ويرجع التضخّم في جوهره إلى اضطراب قُوَى الإنتاج، وعدم كفايتها في الوفاء بحاجات الأفراد المتزايدة.
كما أن الزيادة في كمية النقود، والزيادة في تيار الإنفاق النقدي، يؤدي بالنظام الاقتصادي كما يقال لا محالة إلى التضخم، فقد يعوض انخفاض سرعة تداول النقود عن الزيادة في كمية النقود، بحيث يبقى الحجم الكلي لتيار الإنفاق النقدي على حاله… كما قد تصاحب الزيادة في الإنفاق النقدي زيادة متناسبة في عرض السلع والخدمات بحيث لا تؤدي هذه الزيادة إلى التضخم، وإنما تتوفر للتضخم النقدي أسباب الوجود إذا لم تصادف الزيادة في تيار الإنفاق النقدي زيادة مقابلة في العرض الكلي للسلع والخدمات.
وفـي قـول أخر: ينشأ التضخّم نتيجة عدم التوازن بين الإنتاج والاستهلاك والادخار والاستثمار، ونتيجة لضعف الطاقات الإنتاجية في الاقتصاد القوميّ.
وفي المفهوم البسيط للتضخم هو زيادة كمية النقود بدرجة تنخفض معها قيمة النقود. أي ارتفاع مستوى الأسعار. و يعرف بعض الاقتصاديين التضخم بأنه عبارة عن نقود كثيرة تطارد سلعاً قليلة.
كما أن التضخم بالمعنى الاقتصادي هو ضعف القوة الشرائية للعملة، والتضخم أمر لا بد منه، فالأشياء ترتفع أسعارها، فبذلك تقل قيمة النقود أمام السلع، فما كان الإنسان يشتريه منذ ثلاث سنوات بمبلغ 20 دولارا مثلاً، فإنه الآن غالبا ما يكون بخمسة وعشرين دولارا وهذا هو التضخم. لذا فإن المستثمر الذي ربط أمواله لفترة طويلة بعائد مقبول لديه وقت بداية الاستثمار، أصبح خاسرا، ليس بسبب سوء اختياره لقناة الاستثمار، بل لأن عاملا آخر وهو التضخم قد قضى على قدر كبير من قيمة استثماره.
فما الوسائل التي يستخدمها رجال الاقتصاد لمعرفة قدر التضخم؟ وكيف يقيسون نسبة تضخم هذا العام مقارناً بالعام الماضي، أو بعشر سنوات مضت؟ وذلك إنهم ينظرون إلى أسعار عدد كبير جدًّا من السلع والخدمات هذا العام، وأسعـارها مـن قبـل، وأهميـة كـل سلعـة أو خـدمـة تقـدم، وهـو مـا يعرفونه باسم الوزن.
يقاس التضخم بثلاث وسائل
الوسيلة الأولى: وهي معدل حساب السعر العام
تتم حيث تؤخذ أسعار مجموعة من البضائع المنوعة، منها على سبيل المثال: في مجال الصناعة أو التجارة، أو الزراعة، أو الخدمات، من الهاتف أو الكهرباء وغيرها من العروض التجارية… وذلك تحسب قيمة شراء هذه البضائع في كل شهر، في أماكن عرضها وبيعها للجمهور، ومن قيمة الشراء للفترات المختلفة والتي عادة تكون شهراً، أو فصلا (ثلاثة أشهر)، يعرف مقدار التضخم، ومقدار التغير في مجموعة الأسعار، وليس في سلعة واحدة فقط. فإن كان هناك انزياح للأسعار نحو الزيادة بمقدار نصف في المائة، فإن ذلك يعني أن هناك تضخماً بهذا المقدار… فإذا فرضنا أن أسعار هذا العام بالنسبة لأسعار العام الذي يتخذونه كأساس للقياس
والوسيلة الثانية: وهي القياس من المنبع
وهو أخذ عينات من أسعار البضائع وتسعيرها من المنتج الأول، أي مقدار السعر الذي يحدده المنتج لبضاعته، ومن هذه الأسعار الإجمالية يمكن معرفة اتجاه خط الأسعار بالصعود أو الهبوط … ويحدث أن تنخفض قيمة بعض السلع، فلا يعني ذلك انخفاض في التضخم، لأنه في الوقت نفسه ترتفع أسعار بعض البضائع الأخرى،
لذا فإن المعدل لسلعة واحدة لا يؤخذ بالحسبان، ولكن يكون عاملا مهما لمعرفة سبب التضخم أو الغلاء، ومن هنا نسمع عن الضغوط الكبيرة على منتجي البترول، وذلك في محاولة من الدول الأخرى المشترية أو المستهلكـة للبتـرول لتخفيـض أسعـاره، لأنـه أحـد السلـع التي أدت إلى ارتفاع مؤشر التضخم.
كما أن الاقتصاديين اليوم يرون أن استعمال الأرقام القياسية لنفقات المعيشة هي أنسب وسيلة لقياس تقلبات القوة الشرائية للنقود، ومع ذلك يذكرون عدم دقتها حيث يقولون:
*أولاً: ليست الأرقام القياسية للأسعار سوى متوسط إحصائي لمجموعة مختارة من المفردات، ولذلك يرد عليها ما يرد على تركيب المتوسطات واستعمالها من قيود.
ومن المعلوم أن متوسط أية مجموعة إحصائية ليس سوى نموذج للمجموعة محل الاعتبار، يتاح لنا باستعماله أن نستدل برقم واحد على الاتجاه العام لمفردات المجموعة التي استخرج منها. ومن ثم، لا دلالـة للأرقام القياسية للأسعار على السلوك الفردي لسعر أية سلعة بالذات – شأنها في ذلك سائر المتوسطات – كما لا يعني ثبات الأرقام القياسية للأسعار ثبات مختلف الأسعار الفردية التي تشتق منها… فقد يعوض الارتفاع النسبي في أسعار بعض السلع عن الانخفاض النسبي في أسعار البعض الآخر بحيث يظل الرقم القياسي ثابتاً في النهاية بالرغم من طروء هذه التغيرات.
*ثانياً: كما لا تدل الأرقام القياسية للأسعار (أيًّا كانت طريقة تركيبها، بغير نتائج تقريبية عن التغيير النسبي في مستوى الأسعار محل القياس. كما لا اعتراض لأحد على هذه الصفة التقريبية بأي حال… كما أن جماع ما يتطلبه الباحث في الأرقام القياسية للأسعار
هو أن تعبر لنا بعدالة وصدق عن الاتجاه العام لمجموعات الأسعار المتباينة التي تستخدم في تركيبها.
*ثالثاً: كما أن الأرقام القياسية لنفقات المعيشة أدق ما تكون في التعبير عن تقلبات نفقات المعيشة بالنسبة لجمهور طبقة معينة من طبقات المستهلكين.
إذ يقوم اختيار أصناف السلع والخدمات التي تشتق هذه الأرقام من أسعارها، كما ينبني ترجيح هذه الأصناف طبقاً لأهميتها النسبية في الإنفاق، على أساس ميزانية الأسرة، النموذجية، أو الأسرة العادية، في هذه الطبقة المعينة من طبقات المستهلكين.
طالع أيضا دراسات ذات صلة بالتضخم : منهج الاقتصاد الإسلامي فى علاج مشكلة التضخم pdf
وبناء على هذا، لا تتعدى دلالة الأرقام القياسية لنفقات المعيشة مجرد الإشارة إلى التغيير النسبي في نفقات المعيشة، لو أن الأسرة النموذجية من هذه الطبقة المعينة قد استمرت على شراء الكميات النسبية نفسها من السلع والخدمات التي افترضنا شراءها لها في سنة الأساس.
الوسيلة الثالثة: من خلال السلوك العام للمجتمع
وذلك من موضوع التنمية بمختلف مفاهيمها البارزة على الصعيد الدولي، والمحلي، ففي الآونة الأخيرة لوحظ اهتماما دوليا متزايداً موجهاً نحو الحاجة إلى التنمية المستدامة للوصول إلى مستقبل مستدام وذلك بعد أن كان العالم يتجه نحو مجموعة من الكوارث البشرية والبيئية المحتملة.
كما يقال أن الاقتصاديون والسياسيون ومخططو التنمية يُعَرِّفُون التنمية الاقتصادية بقدرة الاقتصاد القومي على توليد واستدامة الزيادة السنوية في الناتج القومي الإجمالي (GNP) بنسبة تتراوح بين 5% إلى 7% أو أكثر، ويأخذونه بمعدل نمو نصيب الفرد من
الدخل أو الناتج المحلي الإجمالي (GDP)، إضافة إلى قدرة الدولة على توسيع إنتاجها بمعدلات أسرع من معدل النمو السكاني كمؤشر على التنمية
كما أن الاتجـاه الجـديـد فـي مفهـوم قيـاس التضخـم يتـم مـن خـلال تحـديـد عمليـة التنميـة الاقتصـاديـة، والتـي ترتكـز علـى قيـم جوهريـة تشكـل الأساس المتيـن لعمليـة الارتقـاء المستديـم للمجتمـع البشـري فـي سعيـه نحو حياة أفضل وأكثـر إنسانيـة، وفـي نفـس الوقـت تمثـل هـذه القيـم الجوهرية الأهداف العامـة للتنميـة علـى مستـوى الأفـراد والمجتمعـات.
قول ابن خلدون رحمه الله تعالى : مبيناً أن من أسباب التضخم والكساد يعود على عدم فهم تحقيق التنمية الحقيقية، وهي أن الدولة والسلطان هو السوق الأعظم للعالم ومنه مادة العمران فإذا استجن السلطان الأموال أو الجبايات أو فقدت فلم يصرفها في مصارفها قل حينئذ ما بأيدي الحاشية والحامية وانقطع أيضا ما كان يصل منهم لحاشيتهم وذويهم وقلت نفقاتهم جملة وهم معظم السواد ونفقاتهم أكثر مادة للأسواق ممن سواهم فيقع الكساد حينئذ في الأسواق وتضعف الأرباح في المتاجر فيقل الخراج لذلك لان الخراج والجباية إنما تكون من الاعتمار والمعاملات ونفاق الأسواق وطلب الناس للفوائد والأرباح ووبال ذلك عائد على الدولة بالنقص لقلة أموال السلطان حينئذ بقلة الخراج فإن الدولة كما قلناه هي السوق الأعظم أم الأسواق كلها وأصلها ومادتها في الدخل والخرج
فان كسدت وقلت مصارفها فأجدر بما بعدها من الأسواق أن يلحقها مثل ذلك وأشد منه وأيضا فالمال إنما هو متردد بين الرعية والسلطان منهم إليه ومنه إليهم فإذا حبسه السلطان عنده فقدته الرعية سنة الله في عباده.
لقد اكتشف ابن خلدون أنَّ قوة الدولة وتقدمها العمراني «الحضاري» لا يُقاس بمقدار ما يتوافر لها من “” المعادن “” كالذهب والفضة “” وإنَّما يكون نتيجة لقدرتها على الإنتاج الذي يجلب لها الذهب والفضة… كما قال أنه إذا فقدت الأعمال، أو قلت بانتقاص العمران تأذن الله برفع الكسب، ثم ضرب لها مثلاً رحمه الله بقوله “” ألا ترى إلى الأمصار القليلة الساكن كيف يقل الرزق والكسب فيها، أو يفقد لقلة الأعمال الإنسانية، وكذلك الأمصار التي يكون عمرانها أكثر، يكون أهلها أوسع أحوالا وأشد رفاهية “” وقال أيضاً ومن هذا الباب تقول العامة، في البلاد إذا تناقص عمرانها، إنها قد ذهب رزقها حتى أن الأنهار والعيون ينقطع جريها في القفر لما أن فور العيون إنما يكون بالانباط والامتراء الذي هو بالعمل الإنساني، كالحال في ضروع الأنعام فما لم يكن إنباط ولا امتراء نضبت وغارت بالجملة، كما يجف الضرع إذا ترك امتراؤه، وانظره في البلاد التي تعهد فيها العيون لأيام عمرانها ثم يأتي عليها الخراب كيف تغور مياهها جملة كأنها لم تكن والله مقدر الليل والنهار.
ويشير ابن خلدون فيما سبق، على أن العمل والتنمية الحقيقية، هي الكفيلة في تحقيق التطور والرفاهيه والتقدم، وأن من أسباب التضخم والكساد هو التوقف عن العمل وعن الإنتاج، وأن العمل والإنتاج، ينبغي ألا يتدخل فيه أحد، من خارج العمل أو السوق وأن أي تدخل في هذا المجال الحيوي، فهو يعتبر بمثابت الإفساد له، كما ذكر في غير هذا الموضع أن السلطان ينبغي عليه ألا يتدخل في التجارة، إلى ما يسمح له من تنظيم لكي يحافظ على ممتلكات الناس ولكي لا يتلاعب أحد بالسوق من قبل المحتكرين، أو أن يفرض على الداخل إلى السوق رسوم، وعلى السلطان ألا يتاجر، لأنه إذا دخل إلى السوق فسوف يفسد السوق، ومن ثم سوف يتسبب في نتائج خطيرة مثل التضخم والكساد.